سورة النحل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
{لِيَحْمِلُواْ} متعلق بـ {قالوا} كما هو الظاهر أي قالوا ذلك لأن يحملوا {أَوْزَارَهُمْ} أي آثامهم الخاصة بهم وهي آثام ضلالهم، وهو جمع وزر ويقال للثقل تشبيهًا بوزر الجبل، ويعبر بكل منهما عن الإثم كما في هذه الآية، وقوله تعالى ليحملوا أثقالهم: {كَامِلَةٌ} لم ينقص منها شيء ولم يكفر بنحو نكبة تصيبهم في الدنيا أو طاعة مقبولة فيها كما تكفر بذلك أوزار المؤمنين، وقال الإمام: معنى ذلك أنه لا يخفف من عذابهم شيء بل يوصل إليه بكليته، وفيه دليل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلًا للكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار به فائدة، وحمل الأوزار مجاز عن العقاب عليها. وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أنه بلغه أن الكافر يتمثل عمله في صورة أقبح ما خلق الله تعالى وجهًا وأنتنه ريحًا فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء زاده وكلما يخاف شيئًا زاده خوفًا فيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا. فيقول: أنا عملك كان قبيحًا فلذلك تراني قبيحًا وكان منتنًا فلذلك تراني منتنًا طاطىء إلى أركبك فطالما ركبتني في الدنيا فيركبه وهو قوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً} {يَوْمُ القيامة} ظرف ليحملوا {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} أي وبعض أوزار من ضل بإضلالهم على معنى ومثل بعض أوزارهم فمن تبعيضية لأن مقابلته لقوله تعالى: {كَامِلَةٌ} يعين ذلك.
والمراد بهذا البعض حصة التسبب فالمضل والضال شريكان هذا يضله وهذا يطاوعه فيتحاملان الوزر وللضال أوزار غير ذلك وليست تلك محمولة، وقال الأخفش: إن {مِنْ} زائدة أي وأوزار الذين يضلونهم على معنى أنهم يعاقبون عقابًا يكون مساويًا لعقاب كل من اقتدى بهم، وإلى الزيادة ذهب أبو البقاء واعترض على التبعيض بأنه يقتضي أن المضل غير حامل كل أوزار الضال وهو مخالف للمأثور «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا» وفيه أن المأثور يدل على التبعيض لا أن بينهما مخالفة كما لا يخفى، ولتوهم هذه المخالفة قال الواحدي: إن من للجنس أي ليحملوا من جنس أوزار الاتباع، وتعقبه أبو حيان بأن من التي لبيان الجنس لا تقدر بما ذكر وإنما تقدر بقولنا الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم فيؤل من حيث المعنى إلى قول الأخفش وإن اختلفا في التقدير، ولام {لِيَحْمِلُواْ} للعاقبة لأن الحمل مترتب على فعلهم وليس باعثًا ولا غرضًا لهم، وعن ابن عطية أنها تحتمل أن تكون لام التعليل ومتعلقة بفعل مقدر لا بقالوا أي قدر صدور ذلك ليحملوا، ويجىء حديث تعليل أفعال الله تعالى بالإغراض وأنت تدري أن فيه خلافًا.
وجوز في البحر كونها لام الأمر الجازمة على معنى أن ذلك الحمل متحتم عليهم فيتم الكلام عند قوله سبحانه: {أساطير الاولين} [النحل: 24] والظاهر العاقبة، وصيغة الاستقبال في {يُضِلُّونَهُمْ} للدلالة على استمرار الإضلال أو باعتبار حال قولهم لا حال الحمل.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من المفعول كأنه قيل: يضلون من لا يعلم أنهم ضلال على الباطل، وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على ذي لب وإنما يقلدهم الجهلة الأغبياء وفيه زيادة تعيير لهم وذم إذ كان عليهم إرشاد الجاهلين لا إضلالهم، وقيل: إنه حال من الفاعل أي يضلون غير عالمين بأن ما يدعون إليه طريق الضلال، وقيل: المعنى حينئذٍ يضلون جهلًا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال، ونقل القول بالحالية عن الفاعل بنحو هذا المعنى عن الواحدي، وزعم بعضهم أنه الوجه لا الحالية من المفعول، وأيد بأن التذييل بقوله تعالى: {أَلاَ سَآء مَا يَرَوْنَ} وقوله سبحانه: {مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل: 26] يقويه، وليس بذاك، وما ذكر ظن من هذا المؤيد أنه إذا جعل حالًا من المفعول لم يكن له تعلق بما سيق له الكلام من حال المضلين وقد هديت إلى وجهه.
ورجحه أبو حيان بأن المحدث عنه هو المسند إليه الإضلال على جهة الفاعلية فاعتباره ذا الحال أولى، ويرد عليه مع ما يعلم مما ذكر أن القرب يعارضه فلا يصلح مرجحًا، وقيل: هو حال من ضمير الفاعل في {قَالُواْ} [النحل: 24] على معنى قالوا ذلك غير عالمين بأنهم يحملون يوم القيامة أوزار الضلال والإضلال؛ وأيد بقوله تعالى: {وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل: 26] من حيث أن حمل ما ذكر من أوزار الضلال والإضلال من قبيل إتيان العذاب من حيث لا يشعرن، ويرده أن الحمل المذكور كما هو صريح الآية إنما هو يوم القيامة والعذاب المذكور إنما هو العذاب الدنيوي كما ستسمعه إن شاء الله تعالى وجوز أن يكون حالًا من الفاعل والمفعول كما قال ذلك ابن جني في قوله: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 27] وهو خلاف الظاهر، واستدل بالآية على أن المقلد يجب عليه أن يبحث ويميز بين المحق والمبطل ولا يعذر بالجهل، وهو ظاهر على ما قدمناه من الوجه الأوجه {أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} أي بئس شيًا يزرونه ويرتكبونه من الإثم فعلهم المذكور.


{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
{قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ} وعيد لهم برجوع غائلة مكرهم عليهم كدأب من قبلهم من الأمم الخالية الذين أصابهم ما أصابهم من العذاب العاجل، والمكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وهو هاهنا على ما قيل مجاز عن مباشرة أسبابه وترتيب مقدماته لأن ما بعد يدل على أنه لم يحصل الصرف، وجوز أن يرتكب فيه التجريد أي سووا منصوبات وحيلا ليخدعوا بها رسل الله عليهم الصلاة والسلام {فَأَتَى الله بنيانهم مّنَ القواعد} أي من جهة الدعائم والعمد التي بنوا عليها بأن ضعضعت فمن ابتدائية والبنيان اسم مفرد مذكر، ونقل الراغب عن بعض اللغويين أنه جمع بنيانة مثل شعير وشعيرة وتمر وتمرة ونخل ونخلة وأن هذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه، وأصل الإتيان كما قال المجىء بسهولة وهو مستحيل بظاهره في حقه سبحانه ولذلك احتاج بعضهم إلى تقدير مضاف أي أمر الله تعالى وروي ذلك عن قتادة، وجعل ذلك في الكشاف من قبيل أتى عليه الدهر عنى أهلكه وأفناه، وحينئذٍ لا حاجة إلى تقدير المضاف. وقرئ {بنيتهم} وهو عنى بنائهم يقال بنيت أبنى أبناء وبنية وبنى نعم كثيرًا ما يعبر بالبنية عن الكعبة وقرأ جعفر بيتهم والضحاك {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف فَوْقَهُمُ} أي سقط عليهم سقف بنيانهم إذ لا يتصور له القيام بعد تهدم قواعده، {وَمِنْ} متعلق بخر وهي لابتداء الغاية أو متعلق حذوف على أنه حال من السقف مؤكدة، وقال ابن عطية وابن الأعرابي أن {مّن فَوْقِهِمْ} ليس بتأكيد لأن العرب تقول خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا انهدم في ملك القائل وإن لم يقع عليه حقيقة فهو لبيان أنهم كانوا تحته حين هدم. ومن الناس من زعم أن {على} عنى عن وهي للتعليل والكلام على تقدير مضاف أي خر من أجل كفرهم السقف وجىء بقوله تعالى: {مّن فَوْقِهِمْ} مع {خَرَّ} لدفع توهم أن يكون قد خروهم ليسوا تحته، ولا يخفى أنه تطويل من غير طائل بل كلام لا ينبغي أن يتفوه به فاضل؛ والكلام تمثيل يعني أن حالهم في تسويتهم المنصوبات والحيل ليمكروا بها رسل الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وإبطال الله تعالى إياها وجعلها سببًا لهلاكهم كحال قوم بنوا بنيانًا وعمدوه بالأساطين فأتى ذلك من قبل أساطينه بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا تحته، ووجه الشبه أن ما نصبوه وخيلوه سبب التحصن والاستيلاء صار سبب البوار والفناء فالأساطين نزلة المنصوبات وانقلابها عليهم مهلكة كانقلاب تلك الحيل على أصحابها والبنيان ما كان زوروه وروجوا فيه تلك المنصوبات وتطواطئوا عليه من الرأي المدعم بالمكائد، ويشبه ذلك قولهم، من حفر لأخيه جبًا وقع فيه منكبًا.
ويقرب من هذا ما قيل إن المراد أحبط الله تعالى أعمالهم، وقيل: الأمر مبني على الحقيقة، وذلك أن نمرود بن كنعان بنى صرحًا ببابل ليصعد بزعمه إلى السماء ويعرف أمرها ويقاتل أهلها وأفرط في علوه فكان طوله في السماء على ما حكى النقاش وروي عن كعب فرسخين، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ووهب، كان ارتفاعه خمسة آلاف ذراع وعرضه ثلاثة آلاف ذراع فبعث الله تعالى عليه ريحًا فهدمته وخر سقفه عليه وعلى أتباعه فهلكوا، وقيل: هدمه جبريل عليه السلام بجناحه لوما سقط تبلبلت الناس من الفزع فتكلموا يومئذٍ بثلاث وسبعين لسانًا فلذلك سميت بابل وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية، ولا يخفى ما في هذا الخبر من المخالفة للمشهور لأن موجبه أن هلاك نمرود كان بما ذكر والمشهور أنه عاش بعد قصة الصرح وأهلكه الله تعالى ببعوضة وصلت لدماغه إظهارًا لكمال خسته وعجزه وجازاه سبحانه من جنس عمله لأنه صعد إلى جهة السماء بالنسور فأهلكه الله تعالى بأخس الطيور، وما ذكر في وجه تسمية المكان المعروف ببابل هو المشهور، وفي «معجم البلدان» أن مدينة بابل يوراسف الجبار واشتق اسمها من المشتري لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري وأخر بها الإسكندر، وما ذكر من أن اللسان كان قبل ذلك السريانية ذكره البغوي ونظر فيه الخازن بأن صالحًا عليه السلام وقومه كانوا قبل وكانوا يتكلمون بالعربية وكان قبائل قبل إبراهيم عليه السلام مثل طسم وجديس يتكلمون بالعربية أيضًا وقد يدفع بالعناية.
وقال الضحاك الآية إشارة إلى قوم لوط عليه السلام وما فعل بهم وبقراهم، والكلام أيضًا مبني على الحقيقة واختار جماعة بناءه على التمثيل حسا سمعت وعليه فالمراد على المختار من الذين كفروا من قبل ما يشمل جميع الماكرين الذين هدم عليهم بنيانهم وسقط في أيديهم وقرأ الأعرج السقف وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ومجاهد {السقف} بضم السين فقط وكلاهما جمع سقف وفعل وفعل على ما قال أبو حيان محفوظان في جمع فعل وليسا مقيسين فيه ويجمع على سقوف وهو القياس. وقرأت فرقة {السقف} بفتح السين وضم القاف وهي لغة في السقف، وذكر أن الأصل مضموم القاف وساكنه مخففه وكثر استعماله على عكس قولهم رجل بفتح فضم ورجل بفتح فسكون وهي لغة تميمية {وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه منه بل يتوقعون إتيان مقابله مما يريدون ويشتهون، والمراد به العذاب العاجل، وفي عطف هذه الجملة على ما تقدم تهويل لأمر هلاكهم ويدل على أن المراد به العاجل قوله سبحانه:


{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
{ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} أي يذلهم، والظاهر أن ضمائر الجمع للذين مكروا من قبل كأنه قيل: قد مكر الذين من قبلهم فعذبهم الله تعالى في الدنيا ثم يعذبهم في العقبى، و{ثُمَّ} للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التفاوت مع ما تدل عليه من التراخي الزماني، وتقديم الظرف على الفعل قيل لقصر الإخزاء على يوم القيامة، والمراد به ما بين بقوله سبحانه: {وَيَقُولُ} أي لهم تفضيحًا وتوبيخًا {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} إلى آخره، ولا شك أن ذلك لا يكون إلا في ذلك اليوم، وقال بعض المحققين. ليس التقديم لذلك بل لأن الإخبار بجزائهم في الدنيا مؤذن بأن لهم جزاءً أخرويًا فتبقى النفس مترقبة إلى وروده سائلة عنه بأنه ماذا مع تيقنها بأنه في الآخرة فسيق الكلام على وجه يؤذن بأن المقصود بالذكر جزاؤهم لا كونه في الآخرة، وذكر أيضًا أن الجملة المذكورة عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي هذا الذي فهم من التمثيل من عذاب هؤلاء الماكرين القائلين في القرآن العظيم أساطير الأولين أو ما هو أعم منه، ومما ذكر من عذاب أولئك الماكرين من قبل جزاؤهم في الدنيا ويوم القيامة يخزيهم إلى آخرهم، ثم قال: والضمير إما للمغترين في حق القرآن الكريم أو لهم ولمن مثلوا بهم من الماكرين، وتخصيصه بهم يأباه السباق والسياق اه.
وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه فليتأمل، وفسر بعضهم الإخزاء بما هو من روادف التعذيب بالنار لأنه الفرد الكامل وقد قال تعالى: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وقيل عليه: إن قوله سبحانه: {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} إلى آخره يأباه لأنه قبل دخولهم النار. وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب، وأنت تعلم أن الأولى مع هذا حمله على مطلق الإذلال، وإضافة الشركاء إلى نفسه عز وجل لأدنى ملابسة بناءً على زعمهم أنهم شركاء لله سبحانه عما يشركون فتكون الآية كقوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62].
وجوز أن يكون ما ذكر حكاية منه تعالى لإضافتهم فإنهم كانوا يضيفون ويقولون: شركاء الله تعالى، وفي ذلك زيادة في توبيخهم ليست في أين أصنامكم مثلًا لو قيل، ولا يخفى أن هذا خزي وإهانة بالقول فإذا فسر الإخزاء فيما تقدم بالتعذيب بالنار كانت الآية مشيرة إلى خزيين فعلي وقولي، وأشير إلى الأول أولًا لأنه أنسب بسابقه. وقرأ الجمهور {شُرَكَائِىَ} ممدودًا مهموزًا مفتوح الياء، وفرقة كذلك إلا أنهم سكنوا الياء فتسقط في الدرج لالتقاء الساكنين، والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه بالقصر وفتح الياء، وأنكر ذلك جماعة وزعموا أن هذه القراءة غير مأخوذ لأن قصر الممدود لا يجوز إلا ضرورة، وليس كما قالوا فإنه يجوز في السعة، وقد وجه أيضًا بأن الهمزة المكسورة قبل الياء حذفت للتخفيف وليس كقصر الممدود مطلقًا، مع أنه قد روي عن ابن كثير قصر التي في القصص (62) و{وَرَائِى} في مريم (5) ، وعن قنبل قصر{أَن رَّءاهُ استغنى} [العلق: 7] في العلق فكيف يعد ذلك ضرورة.
نعم قال أبو حيان: إن وقوعه في الكلام قليل فاعرف ذلك فقد غفل عنه كثير من الناس.
{الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} أي تخاصمون وتنازعون الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم في شأنهم وتزعمون أنهم رشركاء حقًا حين بينوا لكم ضد ذلك، وفسر بعضهم المشاقة بالمعاداة، وتفسيرها بالمخاصمة ليظهر تعلق {فِيهِمْ} به ولا يحتاج إلى جعل في للسببية أولى، وقيل: للمخاصمة مشاقة أخذًا من شق العصا أو لكون كل من المتخاصمين في شق؛ والمراد بالاستفهام استحضارها للشفاعة على طريق الاستهزاء والتبكيت، فإنهم كانوا يقولون: إن صح ما تقولون فالأصنام تشفع لنا، والاستفسار عن مكانتهم لا يوجب غيبتهم حقيقة بل يكفي في ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذي كانوا يزعمون أنهم متصفون به فليس هناك شركاء ولا أماكنها.
وقيل: إن ذلك يوجب الغيبة، ويقال: إنه يحال بينهم وبين شركائهم حينئذٍ ليتفقدوهم في ساعة علقوا الرجاء بها فيهم أو أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب. ولا يحتاج إلى هذا بعدما علمت على أنه أورد على قوله. ليتفقدوهم إلى آخره أنه ليس بسديد، فإنه قد تبين للمشكرين حقيقة الأمر فرجعوا عن ذلك الزعم الباطل فكيف يتصور منهم التفقد. وأجيب بأنه يجوز أن يغفلوا لعظم الهول عن ذلك فيتفقدوهم، ثم إن ما ذكر يقتضي حشر الأصنام وهو الذي يدل عليه كثير من الآيات كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] وقوله سبحانه: {وَقُودُهَا الناس والحجارة} [البقرة: 24] على قول، ولا أرى مانعًا من حمل الشركاء على معبوداتهم الباطلة بحيث تشمل ذوي العقول أيضًا. وقرأ الجمهور {تشاقون} بفتح النون، ونافع بكسرها ورويت عن الحسن، ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم. وقرأت فرقة بتشديدها على أنه أدغم نون الرفع في نون الوقاية. والكسر على حذف ياء المتكلم والاكتفاء به أي تشاقونني. على أن مشاقة الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم كمشاقة الله تعالى شأنه ولولا ذلك لم يصح تعليق المشاقة به سبحانه. أما إذا كانت عنى المخاصمة فظاهر أنهم لم يخاصموا الله تعالى، وأما إذا كانت عنى العداوة فلأنهم لا يعتقدون أنهم أعداء لله تعالى: وأما قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1] يعني المشركين فمؤول أيضًا بغير شبهة {قَالَ الذين أُوتُواْ العلم} من أهل الموقف وهم الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون الذين أوتوا علمًا بدلائل التوحيد وكانوا يدعونهم في الدنيا إلى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم، واقتصر يحيى بن سلام على المؤمنين والأمر فيه سهل.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنهم الملائكة عليهم السلام. ولم نقف على تقييده إياهم. وعن مقاتل أنهم الحفظة منهم. ويشعر كلام بعضهم بأنهم ملائكة الموت حيث أورد على القول بأنهم الملائكة أن الواجب حينئذٍ يتوفونهم مكان {تتوفاهم الملائكة} 8] وأنه يلزم منه الإبهام في موضع التعيين والتعيين في موضع الإبهام. وهو كما الشهاب في غاية السقوط، وقيل: المراد كل من اتصف بهذا العنوان من ملك وأنسي وغير ذلك. والذي يميل إليه القلب السليم القول الأول أي يقول أولئك توبيخًا للمشركين وإظهارًا للشماتة بهم وتقريرًا لما كانوا يعظونهم وتحقيقًا لما أوعدوهم به. وإيثار صيغة الماضي للدلالة على تحقق وقوعه وتحتمه حسا هو المعهود في أخباره تعالى كقوله سبحانه: {وَنَادَى أصحاب الجنة} [الأعراف: 44].
{إِنَّ الخزى} الذال والهوان. وفسره الراغب بالذال الذي يستحي منه {اليوم} منصوب بالخزي على رأي من يرى أعمال المصدر باللام كقوله: ضعيف النكاية أعداءه.
أو بالاستقرار في الظرف الواقع خبرًا لإن، وفيه فصل بين العامل والمعمول بالمعطوف إلا أنه مغتفر في الظرف. وأل للحضور أي اليوم الحاضر، وإيراده للإشعار بأنهم كانوا قبل ذلك في عزة وشقاق {والسوء} العذاب ومن الخزي به جعل ذكر هذا للتأكيد {عَلَى الكافرين} بالله تعالى وآياته ورسله عليهم السلام.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12